في عصر تعيش فيه الإنسانية حالة من التطوير المستمر و السريع و التغيرات العنيفة و التي تكاد تكون بصورة يومية و بصفة متلاحقة ، في كوكب يكاد لا يستغرق فيه انتقال المعلومة أو الخبر أو حتى الحادث ، أكثر من بضع دقائق ليكون بين أيدينا صوت و صورة ، مع ألاف و قد تكون ملايين من الآراء المتفاعلة معه سواء بالسلب أو الايجاب .. ففي النهاية كل له ثقافته و قناعاته و رؤيته الخاصة المتسقة مع مصالحه .
و سنجد أن هناك نتائج مرتبطة أرتباط وثيق بنوع و أسلوب الحياة التي نحياها ، و لأن لكل شيء إيجابياته و سلبياته ، فإن الملاحظ أن هناك نتائج ألقت بظلالها السلبية على نسبة ليست ببسيطة من الأفراد في أغلب المجتمعات – إن لم يكن كلها – و يمكن إعطاء وصف فضفاض لتلك النتائج السلبية بأنها هي إنتشار واسع و ملحوظ للمشكلات النفسية و الصحية ، و الصحية المرتبطة بالنفسية و التي تصل إلي حد إعاقة الفرد عن مواصلة القيام بدوره بطريقة سليمة ، و تنعكس عليه سلباً سواء على المستوى الشخصي أو المستوى العام .
و لأن هذه المشكلات متعددة و لا يمكن مناقشتها بصورة مجمعة ، فلقد أخترت مشكلة التشتت الذهني و نقص التركيز ، باعتبارها تعد الأبرز بين المشكلات و الأكثر شيوعاً و لأنها كذلك الأخطر لأنها تفقد الفرد القدرة على إدارة حياته و تحول بينه و بين إختيار أفضل طرق التصرف في اللحظات الحاسمة .
في البدء يمكن أولاً أن أختزل مجموعة من الأعراض يمكن أن تعد كملامح رئيسية لمشكلة التشتت الذهني و نقص التركيز و مؤشرات على وجوده .
و يأتي في مقدمة تلك الأعراض النسيان بشكل متكرر ، و كذلك العصبية الشديدة و الإندفاع في مواقف لا تستدعي ذلك ، و من الأعراض أيضاً عدم القدرة على التخطيط و تحديد الأولويات و كذلك الإنشغال بالتفاصيل الصغيرة بدرجة تفقد الشخص المصاب القدرة على رؤية الصورة كاملة للشيء أو الحدث ، أو العكس رؤية الصورة كاملة مع إسقاط تفاصيل مهمة فيها و لا تكتمل بدونها .
بالإضافة ألي الإحساس الدائم بالملل و الإجهاد عند قيامه بعمله الذي كان قبل ذلك شغوف به ، أو عدم قدرته على إنهاء عمل حتى نهايته .
فتلك الأعراض أو بعضها إذا أستمر و لفترة زمنية طويلة ، يصبح مؤشر لوجود مشكلة التشتت الذهني و نقص التركيز .
و يمكن تقسيم مسببات هذه الحالة إلي نوعين ..
بحيث يكون النوع الأول من المسببات راجع لأسباب صحية .. كالنقص الحاد في الفيتامينات و المعادن الضرورية لصحة الجسم و العقل ، و كأضطراب النوم و عدم الحصول على ساعات نوم كافية و صحية .
أما النوع التاني من المسببات فيرجع لأسباب نفسية .. كالتعرض لضغوط لفترة زمنية طويلة نوعاً ، أو الخوف من المستقبل أو عدم القدرة على التكيف مع الحاضر و بالتالي الإصرار على العيش في الماضي ، أو أن ينشغل الشخص في مشكلة واحدة بحيث تستحوذ على كل تركيزه و على أثر ذلك يترك باقي الأحداث الحياتية الخاصة بيه ، و التي لا شك أنها هي أيضاً مهمة و لكن لا ينتبه لها .
و من خلال ما سبق عرضه من أسباب ، يتضح لنا أن مشكلة التشتت الذهني رغم خطورتها إلا أن هناك إمكانية لإدارة هذه المشكلة و التعامل معها ، خاصة لو انتبهنا أن أغلب المسببات تقع أطراف خيوطها تحت أيدينا ، فيما عدا الضغوط الحياتية و التي يجب التعامل معها بأنها ستبقى المتغير الوحيد الدائم و الذي لن ينتهي و الذي يجب أن نعتاد على وجوده ، و أن نطوعه لصالحنا و ليس العكس .
فببعض العادات الصحية البسيطة يمكن التعامل مع المشكلة من خلال الحرص على الحصول على عدد ساعات نوم كافي و صحي ليلاً ، و الحصول على غذاء متوازن و مفيد ، لا يعتمد على الكم و لكن على الكيف و الجودة ، مع شرب كميات كبيرة من الماء لضمان تدفق الدم بصورة سليمة للمخ .
بالإضافة إلي جعل أنشطة رياضية يومية بسيطة في الهواء الطلق جزء من النشاط اليومي المعتاد ، كالمشي مثلاً و السباحة لما لهما من فوائد للجسم و لتحسين الحالة المزاجية أيضاً .
ثم بعد ذلك يأتي الدور التنظيمي من خلال إفراغ خططك أو ما تفكر فيه على الورق من خلال كتابته ، لتسهيل فرزه و دراسته و من ثم تحديد الأولويات طبقاً لأهدافك القريبة و البعيدة ، و طبقاً أيضاً لمدى جاهزيتك لتلك الأهداف أو ما قد تكون في حاجة له أولاً من إعداد و تطوير لتستطيع تحقيقها فعلاً .
أخيراً .. يجب أن تقدر جداً وقت راحتك و تحرص عليه من خلال الحفاظ على انتظامه مثله مثل ساعات العمل تماماً ، و أن تدرك أن لا حياة بدون ضغوط و تحديات ، و أن هذه التحديات تسهم في تطويرك و بالتالي بناءك و ليس كسرك .